تتعدى مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي مفهوم المكتبة بشكلها التقليدي إلى آفاق أكثر رحابة، ومن هذا المنطلق فالمكتبة تقوم بنشر العديد من الإصدارات التي تسد ثغرات كبيرة في الثقافة العربية، ومن بين هذه الإصدارات الهامة سلسلة “نوادر الكتب”.
مؤخرا أصدرت مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي العدد 21 في سلسلة “نوادر الكتب”، حيث تسلط المكتبة الضوء على صفحات نادرة من الثقافة العربية، العدد يبدأ بتصدير لعبد الكريم سعود البابطين يحمل عنوان “العرب والكتاب” يشير من خلاله إلى أن العرب أدركوا أهمية الكتاب منذ أطل عليهم القرآن الكريم، فقد أحاط العرب هذا الكتاب المعجز بالإضاءات المعرفية واستلهموا كل إشاراته وتوجيهاته من خلال آلاف الكتب التي حاولت سبر أعماقه.
ويقول البابطين إن هذا الكتاب الإلهي العظيم أيقظ الأمة العربية الأمية من جهالتها، وغرس في وجدانها الشغف بالقراءة والعلم، فبدأت حركة هائلة من الكتابة، وظهر الوراقون الذين تباروا في كتابة المخطوطات وتزيينها، فكان القرآن الكريم بمثابة البذرة التي أنبتت غابة من الكتب في كل الاتجاهات.
ويقدم العدد الجديد من سلسلة “نوادر الكتب” التي تصدرها مكتبة البابطين مشهداً حافلاً بالدلالات لتجاذبات الثقافة العربية واهتماماتها خلال قرن ونصف من الزمن، يبدأ بمطلع القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.
فإصدارات القرن التاسع عشر تركز على حقلين: الأول يتمثل في الدين بفروعه المختلفة من فقه وتفسير وحديث، والحقل الثاني مختارات ثقافية، كما سيلاحظ القارئ أن عناوين نوادر العدد الخاصة بالدين تتجه إلى الصيغة الدفاعية التي تقف في وجه الانحراف على غرار: “البراهين الساباطية فيما تستقيم به دعائم المله المحمدية”، و”هداية المرتاب”، و”رواشق الأفكار السنية في أصغر الحقائق الدينية“، و”إشراق الأنوار في إطلاق العذار“، بينما تلبي المختارات الثقافية حاجة الخطيب والكاتب إلى مساحة واسعة من الحكم والأمثال والأشعار ينتقي منها ما يلائمه.
وكما يقدم الكتاب إطلالة على المشهد الثقافي العربي في القرن الماضي، حيث كان أهم ما يميزه قضية المرأة، والنهوض القومي، فبينما تحظى المرأة في القرن التاسع عشر بإصدار وحيد ضمن المجموعة المنتقاة للكتاب وهو “أخبار ذوات القناع“ ، أخذت المرأة فيه الصورة التقليدية كرمز للخداع والفتنة والإغواء، نجد أن القرن العشرين قد حفل في كتاب النوادر، بستة من الإصدارات أعطت لموضوع المرأة ما يستحقه من عناية وتباينت المواقف من الدور الذي يمكن للمرأة أن تقوم به ممّن قيدّها ببيت الزوجية وجعل مهمتها الرئيسة الإنجاب والتربية وإدارة شؤون البيت ككتاب “الرأي السديد في أضداد التقليد“، ومَنْ جَعل ساحتها المجتمع بكل ظواهره من تعليم وسياسة وخدمة اجتماعية ككتاب “المرأة المصرية من الفراعنة إلى اليوم“ .
وفي النهوض القومي حاول العقاد أن يهز القناعات في أسس الشعر التقليدي وفي مكانة أعلامه من خلال كتابه “فصول من النقد عند العقاد“، وحاول قاسم أمين أن يحدث شرخاً في النظرة التقليدية للمرأة في كتاب “قاسم أمين“،
وهكذا سيجد القارئ في هذا العدد الوطن العربي وهو يخرج من عباءة التقليد والركون إلى ما هو كائن، إلى الثياب العصرية والتوجه إلى ما سيكون بعد ذلك في مختلف الميادين.