دأبت مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي منذ تأسيسها على اقتناء ونشر الكثير من أصول مخطوطات التراث العربي، وإتاحتها أمام الباحثين والدارسين والقراء، ولا يخفى على أحد قيمة ما تحويه تلك المخطوطات من معلومات نادرة وقيمة، وهي بمثابة كنوز لا تقدر بثمن.
وتواصل مكتبة البابطين إصداراتها المميزة لأهم هذه المخطوطات لديها، حيث أصدرت المكتبة مؤخرًا العددين (20) و(21) من “سلسلة مخطوطات مكتبة البابطين” وقد تم تخصيصهما لديوان الجوهري “قِرط العصر” للشاعر أبي الحسن، عبد الواحد الجوهري.
ويشير رئيس مجلس إدارة مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين في تصدير الديوان: “ها هي مكتبة البابطين تواصل رحلتها في نشر المخطوطات العربية النفيسة، وقد تخيرنا لهذا العدد نسخة نادرة ونفيسة من ديوان الشاعر عبد الواحد الجوهري المسمى “قرط العصر”.
والشاعر عبدالواحد الجوهري يحتل مكانة بارزة بين شعراء عصره، ولُقب “بمتنبي زمانه”، وكان لشعره شهرةٌ واسعة في الحجاز، حيث أقبل الناس على حفظ قصائده والتغني بأشعاره، كما يحدث مع هذا البيت الشهير الذي يردده عشاق الشعر حتى اليوم:
عَلَى جِيد هَذَا اَلظَّبْيِ فَلْيُنَظَمِ اَلدُّرُّ *** وَإِلَّا فَمَا لِلدُّرِّ فَخْرٌ وَلَا قَدْرُ
لكن لماذا اختارت مكتبة البابطين ديوان الجوهري بالذات؟ يجيب الشاعر عبد العزيز سعود البابطين قائلا: “السبب الأول أننا في مكتبة البابطين نحرص عادة على نشر المخطوطات التي لم تنشر من قبل، وديوان الجوهري لم تسبق طباعته ، والسبب الثاني وراء نشر المخطوط يكمن في أن ناسخ الديوان هو الشيخ عبد الله بن أحمد العجيري (1285 ـــ 1352ه) أحد أعلام عصره، وكان شاعرًا وراويًا للشعر واشتهر بمعرفته دقائق البلاغة وبعذوبة الصوت في قراءة القرآن الكريم، وقد عاصر الملك عبد العزيز آل سعود الذي اختاره ضمن باقة من العلماء والأدباء والفقهاء ليرافقوه خلال رحلته لتوحيد أراضي المملكة.
يبدأ الديوان بترجمة للشاعر الجوهري اليمني الأصل، والذي ولد بمكة المكرمة عام 1861م في نهايات العصر العثماني، وذاع صيت شعره الحجاز، وتوفي شاباً في عمر الزهور عام 1893م، ودفن في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة، ويلقي الكتاب الضوء على الشاعر الجوهري المعروف بالأشرم حيث امتاز بإبداعه في اختيار ألفاظه ورقة شعره ورهافة إحساسه، إضافة إلى تمتعه بالقبول التام في مجتمعه بين أقرانه ومنافسيه”.
وقد عثرت مكتبة البابطين على خمسة مجلدات مخطوطة في مكتبة الحرم المكي، ضمن وقفية العلامة عبد الوهاب الدهلوي، وقد كتبت جميعها بخط واحد، وهي عبارة عن مختارات شعرية متنوعة جاء فيها للشاعر الجوهري أبيات وقصائد في أكثر من خمسين موضعاً، وتم إضافتها للديوان، كما تم نشر صورة طبق الأصل من المخطوطة، لتحقيق أكبر استفادة ممكنة للباحثين.
ويضم الديوان مقالات الكاتب محمد سعيد العامودي عن الجوهري التي نشرها في مجلة المنهل السعودية، وترجمة لناسخ المخطوط العجيري، ثم تمَّ تخصيص بقية الصفحات لشعر الجوهري ومنها هذه الأبيات المشهورة:
ما احتيالي ولم أجدْ في زماني *** مِنْ مُعانٍ أجادَ في إمعانِ
يا طبيباً بِطِبِّه قد أتاني *** مَرَضي مِنْ مَريضةِ الأجفانِ
وشِفائي في وَصلِها والتَّداني *** ذابَ قلبي بِبُعدها ونَواها
لَيْتَ شعري ومُهجتي مَأواها *** هلْ أراها وما الدواءُ سِواها
يا خليليْ ولائمي في هَواها *** عَلِّلاني بذِكْرِها عَلِّلاني