أخذت مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي على عاتقها أمانة إحياء المعارف القديمة في مختلف أجناسها الأدبية والعلمية، والحرص على طباعتها وإعادة نشرها، وكان لها الصدارة في ميدان الفنون والمعارف والسبق في تحصيل المنفعة لروادها، فقد أصدرت حديثاً كتاباً بعنوان “الإعلام في أعيان بلد الزبير بن العوام”، وهو من تأليف المؤرخ الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن عبداللطيف بن راشد بن عبدالله بن غملاس المولود في عام 1848م، والمتوفى في سنة 1935م.
ويعد هذا الكتاب وثيقة تاريخية على درجة عالية من الأهمية، خصوصاً أنه يرتبط بموقع جغرافي كان له الحضور البارز والمتمثل في إمارة الزبير، التي يقول عنها مؤسس المكتبة الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين في تصديره للكتاب الجديد: إنها تشكل نموذجاً للتداخل بين بقاع الوطن العربي وللتمازج بين شعوبه وقبائله، فالجزيرة العربية -حسب وصف البابطين- والتي هي المهد الأساسي للعرب، ظلت منذ ما قبل الإسلام مصدر هجرة لموجات من البشر إلى البلاد المجاورة، وضمن إمارة الزبير التي استمرت أكثر من 4 قرون من الزمان، تشكل مجتمعٌ حضريٌ له عاداته وله ثقافته وأدبه، وله زعاماته السياسية والدينية.
ويضم الكتاب صورا لبعض أدوات الكتابة الخاصة بابن الغملاس، والتي كان يدون بها كتاباته ومؤلفاته، بالإضافة إلى بعض من موروثه المدون بخط يده، والذي أرسله لمكتبة البابطين مشكوراً حفيده الأستاذ إبراهيم محمد عبدالله إبراهيم الغملاس.
كما يضم الكتاب تراجم لـ 41 شخصية ممن عاشوا في الزبير أو ارتبطت حياتهم بهذه الإمارة، حيث حرص المترجم على ذكر تواريخ الولادة والوفاة للمترجمين، والمراجع التي اعتمد عليها بما أتيح له من جهد.
وفي مقدمة الكتاب تقول المديرة العامة للمكتبة سعاد العتيقي: إنه صورةٌ دقيقةٌ ومفصلة لمجموعة من جوانب الحياة في عصر المؤلف، ويسبر غور الشخصيات الواردة في الكتاب من دروس تلقوها، ومناصب شغلوها، ووظائف زاولوها، ويذكر بعض التفاصيل عن عوائلهم وحياتهم الاجتماعية.
كما يعتبر الكتاب مرجعاً مهماً من الناحية العمرانية في أخبار المدارس والمساجد والأبنية والأحياء التي كانت في عصره، ومَن بناها، ومن أوقف عليها، ومن درس أو تخرج فيها، وما كان لها من أثر ثقافي وعلمي واجتماعي على بلدة الزبير، وما جاورها من البلدان، وكثير من هذه الأبنية مازالت موجودة حتى وقتنا الحاضر.
ومن الناحية السياسية فهو يذكر نزاع الوجهاء على السلطة في البصرة، والزبير من أمراء المكان، وشيوخه، وتداول السلطة بينهم مرة بعد أخرى، ويأتي أيضاً على ذكر دولة الكويت وأسماء بعض الوجهاء فيها ضمن التراجم التي أوردها، وقد أفردت المكتبة فهرساً خاصاً للمواضيع التي تم فيها ذكر الكويت.
يذكر أن أصل هذا الكتاب مخطوط من محفوظات مكتبة الحرم المدني الشريف، وقامت مكتبة البابطين بإعادة ترتيب أوراقه بسبب خطأ في التجليد، وتفريغه وطباعته بعد طول جهد وعناء، لاحتوائه على كثيرٍ من الألفاظ العامية والأشعار النبطية، وصعوبة قراءة الخط وفكه، ليظهر إلى النور من جديد بحلته الجديدة، ويعيد إلى الذاكرة أحداثاً شكلت جزءاً من تاريخ بلدة الزبير التي هي جزء من تاريخ المنطقة.