في مسارها الذي اتخذته منذ سنوات لتسليط الضوء على نفائس الكتب، وصلت مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي إلى الجزء الثامن عشر من “نوادر النوادر من الكتب”، التي يقتنيها عبدالكريم سعود البابطين. وتضم هذه النوادر مطبوعات مضى على تأليفها قرون عدة، وتتفرع في شتى دروب الثقافة والعلم والمعرفة.

الإصدار الجديد شمل تغطية ثمانين كتاباً نادراً تم الحصول عليها من شتى أنحاء العالم، وتنوعت ما بين الآداب والتاريخ والعلوم والفقه والحكمة، وغيرها من الكتب التي وضعها مؤلفون متبحرون في مجالاتهم عبر أزمان مختلفة.

وفي تصديره للجزء الجديد، يقول عبدالكريم البابطين: “تم اقتناء الآلاف من هذه المطبوعات النوادر التي طبعت في أزمان مختلفة على امتداد القرن السادس عشر وفي بدايات القرن العشرين، وسيجد الباحث في كل كتاب نادر نكهة خاصة”.

وتابع: “وجدت أن من واجبي تجاه أمتي أن أسهم في خدمة هذا التراث العظيم، فبذلت ما وسعني من جهد لامتلاك بعض المخطوطات، إنقاذا لها من الضياع، كما تنقلت بين كثير من مدن الوطن العربي أبحث عن مطبوعات قديمة، وضمها إلى المكتبة، حفاظا عليها من التلف”.

ثقافات الشعوب

وتفرَّد هذا الجزء بعرض نُبذ عن كتب لها أهميتها حتى يومنا هذا، لما فيها من اطلاع على ثقافات الشعوب، مثل كتاب “طبقات الأمم” لعالم الأندلس أبوالقاسم التغلبي، الذي عاش في القرن الخامس الهجري.

وقد قدمت المديرة العامة لمكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، سعاد العتيقي، شرحا عن مضامين هذه الكتب التي ضمها الجزء الثامن عشر، فعن هذا الكتاب تقول إنه “يقدم لنا لوحة لأمم العالم، وبمَ تتميز كل أمة. أما في كتاب (تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء)، لحمزة الأصفهاني، الذي عاش في القرن الرابع الهجري، فهو شرح يشمل الملوك والحكام في كثير من أمم العالم وتاريخ كل ملك منهم، وما حدث في عصره، ومن هذه الأمم الفرس واليونان والقبط وبنو إسرائيل، ولا يخلو الشرح من ملوك العرب المناذرة والغساسنة وملوك اليمن وتاريخ قريش”.

ومن التاريخ إلى الحكمة تمتد صفحات الجزء الثامن عشر من “نوادر النوادر”، فيستعرض كتابا بعنوان “الكلم الروحانية في الحكم اليونانية”، لأبي الفرج بن هندو، وهو كتاب يستنبط العقل لدى فلاسفة اليونان، فيعرفنا بأقوالهم وآرائهم، وميزة هذا الكتاب أنه يقارن بعض هذه الحكم بما ورد في الثقافة العربية من شبيه لها.

وأفرد الإصدار الجديد حيزاً جيداً للشعر، فهناك أكثر من خمسة وعشرين كتابا بين دواوين للشعر ودراسات عن الشعراء، ومن فرائد الكتب أن الاهتمام لم يقتصر على الشعر، بل نجد دراسة نفسية لشاعر فرنسا بودلير وتعريب مجموعة من أشعاره.

المصادر والمراجع

وغير ذلك الكثير من الكتب النادرة التي وردت في هذا الإصدار بتفصيل علمي دقيق، أُرفق بقوائم تضم المصادر والمراجع، وكشفا بعناوين الكتب، وكشفا بأسماء المؤلفين، وآخر للموضوعات ولأماكن الطبع، تسهيلا للباحثين والدارسين.

يعد اكتشاف الشعراء الذين طوت الأزمان سيرهم، أحد أهداف مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، وفي هذا الإطار أعادت المكتبة إلى النور سيرة الشاعر «الحَظيِري المتوفى عام 1172م. ولقبه الذي اشتهر به « دلّال الكتب».أما اسمه الكامل لدلّال الكتب فهو أبو المعالي سعد بن علي بن القاسم الأنصاري الخزرجي الحظيري البغدادي.
وهو شاعر من العراق ظهرت أعماله في القرن السادس للهجرة، لكنه بعد رحيله أصبح أكثر شهرة. وقد أصدرت مكبتة البابطين المركزية للشعر العربي كتاباً عنه بعنوان «دلّال الكتب: الحظيري 568 هـ..حياته وشعره». جمع وتحقيق الأستاذ الدكتور محمد أحمد شهاب.
لا يتوقف الكتاب عند حياة الشاعر، بل يفصّل في أغراض شعره ما بين الغزل والهجاء والشكوى والعتاب والمدح وأغراض أخرى مرتبة قوافيه بحسب حروف الهجاء.ويذهب محقق الكتاب الدكتور محمد أحمد شهاب إلى أبعد من ذلك حيث يتحدث عن اللغة والأسلوب في شعر دلّال الكتب وبنية النص والمحسنات البديعية والموسيقى الشعرية، وغيرها من التحليلات النقدية، وهي إضافة قام بها المحقق ليتميز عن الكثير من كتب التحقيق التقليدية، فقد مزج المحقق في هذا الكتاب بين التحقيق والنقد، وبذلك يكون العمل ثرياً ومكتملاً بين أيدي الباحثين. إذ جاء الكتاب في قسمين، الأول عن حياة الشاعر وما جاء في كتب التراجم والسير من أخباره، والقسم الثاني يتضمن تحليلاً نقدياً لأشعاره.
ويقول رئيس مجلس إدارة المكتبة الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين في تصديره للكتاب: «إدراكاً منا لأهمية الشعر العربي في إثراء الوجدان العربي وإخلاصاً لأمتنا وللمبدعين من أبنائها فقد عقدنا العزم على رصد ساحة الشعر العربي على امتدادها الزماني والمكاني بدءاً من عصر ما قبل الإسلام وحتى الوقت الراهن والتعريف بشعرائها وبما أبدعوه».
وفي تقديم الكتاب يقول المحقق الأستاذ الدكتور محمد أحمد شهاب : « نال دلّال الكتب الحظيري منزلة رفيعة في حياته وتكاد تكون أكبر من تلك التي كان يحلم بها بعد مماته، والحظيري جدير بأن تُجترح له هذه الدراسة والوقفة عند سيرته وأشعاره بوصفه يمثل حلقة أدبية مهمة من حلقات القرن السادس للهجرة».

في سعيها لاستعادة نفائس الأدب العربي، وتقديمها للجمهور من جديد، أصدرت مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي الأعمال الشعرية المخطوطة النادرة الخاصة بالأديب الشاعر حسين بن عبدالجليل بن عبدالسلام برّادة، وجاءت المجموعة في ستة كتب بطباعة فاخرة، وتعد هذه المجموعة من المقتنيات الخاصة والنادرة في المكتبة، حيث جاءت بخط مؤلفها.
يذكر أن الشاعر حسين برّادة من أسرة أدبية شعرية، فلقد كان أبوه وجدّه من الشعراء المعروفين في المجتمع المدني الحجازي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد قام حسين برّادة بجمع ديوان والده عبدالجليل برّادة لكنه لم يكمله، فالموجود منه يبدأ من حرف الألف وينتهي بحرف الراء ليبقى الديوان ناقصا من آخره. وستكون هذه المجموعة إضافة جديدة وتوثيقا تاريخيا للمكتبات العربية والثقافة والأدب والتاريخ.