نستذكر في هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل شهر رمضان الكريم، الأديب الراحل عبدالعزيز سعود البابطين، شخصية كويتية جسدت في مسيرة حياتها معاني العطاء والإحسان والأخلاق الحميدة، كان قدوة لكل من عرفه، ولكل من عاشره وعاصره، ليس على مستوى الكويت فقط، بل على مستوى العالم كله، لقد كان عطاؤه عابراً للحدود، وعابراً للأجيال، وفكره وثقافته منارة في عالم الأدب والثقافة، ورغم رحيله عنا فإن تلك المنارة باقية، تلهم الأجيال أثر الثقافة والأدب ومعانيها في حياة الشعوب وكذلك معاني التسامح والعطاء.
ما سأتحدث عنه في هذه المساحة من مواقف وقصص من سيرة ومسيرة المرحوم عبدالعزيز البابطين، هو مزيج مما ذكره هو شخصيا في لقاءاته واطلالاته التلفزيونية، او ما كان ذكره في أحاديثه في سفراته التي صحبته فيها مع بعض اصدقائه، فقد رافقته في بعض سفراته الى عدد من الدول الاسلامية التي كانت منضوية تحت مظلة الاتحاد السوفييتي الجمهوريات السوفيتية ثم استقلت بعد تفككه في اواخر عام 1991.
في هذه الرحلات سمعنا منه حكايات ورأينا بأم اعيننا حكايات كثيرة ممن تعلموا فيبعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا وعادوا الى دولهم يتبؤون فيها مناصب عليا مختلفة.
كذلك، كنت من اوائل المدعوين الى دورته الثقافية الشعرية او في حوار الحضارات ومنتديات السلام، وهذا ما جعلني ان اكون قريبا منه ومن انجازاته واعرف عن كثب مدى ما قدمه من جهد ومال ومتابعة ليتحقق ما يتطلع اليه وما يصبو اليه خدمة لوطنه وامته، ولا يمكن نسيان دوره وما قدمه في سبيل قضية الدفاع عن الكويت إبان الغزو العراقي، خصوصا قضية أسرى الكويت التي لطالما كانت على رأس ندواته وتظاهراته الثقافية.
نعم، عرفت المرحوم بإذن الله تعالى عبدالعزيز البابطين عن قرب فأبهرني بصفاته وسجاياه الفريدة، الذكاء والفطنة والبساطة في التعامل، احترام الآخرين حسن المعشر، حلو اللسان، دمث الأخلاق، نقي السريرة، عفيف المسلك، غيور على تراثنا العربي، كريم، معطاء، رجل خير واحسان محب جداً لوطنه الكويت، ولامتيه العربية والاسلامية قولا وفعلاً، أسأل الله سبحانه وتعالى ان يجزيه خير الجزاء وان يجعل مثواه الفردوس الأعلى.
النشأة والمولد
وأبدأ حديثي عن نسب عائلة البابطين، فهي تنتسب الى فخذ عائذ من قبيلة عبيدة القحطانية وكانت مساكنهم الأولى جنوب المملكة العربية السعودية ثم توزع فرع عائذ في القرن الرابع الهجري في مختلف مناطق الجزيرة العربية، حيث استقرت أسرة البابطين في منطقة الخرج، ثم انتقلت الى روضة سدير قبل حوالي 500 عام ثم انتقل بعض افرادها الى شقراء والقصيم والرياض، والمنطقة الشرقية، والكويت والزبير وحتى مصر والسودان، فهي سلالة ممتدة في غير مدينة وبلد من بلدان العرب.
أما عن مولده فيقول رحمه الله في لقاء له في احد البرامج التلفزيونية إن اول فخر ناله حين ابصرت عيناه النور، ان ولادته كنت في يوم المولد النبوي الشريف، الذي أضافه لما رواه اهله عن يوم ميلاده، انه عندما كبر استعان بالخبير الفلكي د. صالح العجيري الذي اكد له ان مولده هو يوم الخميس 3 يونيو 1935، وهو يتوافق مع المولد النبوي الشريف في يوم 12 ربيع الأول 1354هـ.
وقد استبشر والداه رحمهما الله خيراً بهذا التاريخ الطيب، وكانت سعادة والده كبيرة بميلاده في هذا اليوم المبارك.
وحين بلغ السادسة من عمره ذكر ان أمه كانت ترفع أكف الدعاء وتقول الله يشهر بنصرك وكان لهذا الدعاء وقع عظيم في نفسه ظل يتذكره طوال حياته، حيث مكث في وجدانه راسخا، وقد ظلت والدته تردد هذا الدعاء حتى اللحظات الاخيرة من حياتها رحمها الله.
ويذكر رحمه الله ان فرح والده بولادته ودعاء أمه له بالتوفيق كانا خير عون له في مسيرة حياته.
ويذكر ان جده هو العلامة عبدالله بن عبدالرحمن البابطين الذي ولد في الروضة وهي قرية من قرى سدير وعينه الإمام سعود بن عبدالعزيز سعود الكبير قاضيا على الطائف وملحقاته من قبائل الحجاز، وصار قاضياً على عمان وتولى قضاء الوشم وسدير وعنيزة وصار مفتي الديار النجدية.
سنوات عمره الاولى شكلت منعطفا كبيرا في حياته، وأسهمت في صنع شخصيته الاولى التي استمر الكثير من ملامحها معه حتى اواخر حياته.
فوالده بثقافته الاجتماعية النجدية الاصلية وشخصيته الجادة الصارمة، وما كان يستمع اليه في ديوان شقيقه عبداللطيف من اخبار الادباء وقصائد الشعراء كل ذلك اثر في تكوين شخصيته وحفر في وجدانه إثاره التي رافقته حتى النهاية.
كان ايضا لوالدته رحمها الله دور في تنشئته على حب الشعر في الطفولة، كانت تتحدث دائما عن عم والدها الشاعر محمد بن لعبون، الذي توفي رحمه الله في سنة الطاعون بالكويت عام 1831م وهو مدفون بجوار مسجد العثمان بجانب مجلس الأمة، وكانت تحفظ الكثير من قصائده، فسعت الى إدخال محبة شعره في نفسه.
وكان والده ولظروف الحياة وقسوتها في ذلك الوقت صارما، فيذكر أبوسعود رحمه الله انه لما بدأ حياته العملية في دائرة المعارف بالكويت في منتصف خمسينيات القرن الماضي، ان والده اعطاه ستين روبية وقال له: لن أعطيك بعد ذلك شيئا ولو بيزة واحدة، وان عليه ان يعتمد على نفسه في تدبير شؤونه.
هذا الكلام وهذا الموقف أثر فيه كثيراً كما يقول، وقد كان من حسن حظه فلو ظل والده يعطيه ما يسأل لربما اعتاد على الاتكال، ولن يتقدم خطوة إيجابية واحدة في هذه الحياة.. ويستنتج من ذلك أنه أحياناً تكون الدروس القاسية هي الأنجع والأكثر نفعاً.
حينما عمل عبدالعزيز رحمه الله في مكتبة ثانوية الشويخ التي استمر عمله فيها حتى أواخر عام 1957، كان يُبذِّر ويعيش حياة البذخ وكأنه يريد أن يعوض ما فاته من رفاهية في سنوات عمره السابقة، فكان يستقل سيارة الأجرة بمفرده ويجلس في مقهى يقع في الشارع الجديد (شارع عبدالله السالم) وكان يدفع حساب طلبات الزبائن الذي تربطه بهم معرفة، ثم توقف عن ذلك، وقرّر أن يغيّر من حياته جذريا، فتوقف عن دفع حسابات زبائن المقهى، وأخذ يأتي من بيته ويعود إليه مشياً على الأقدام حتى يتمكن من التوفير والادخار.
وكانت النزعة التجارية في شخصية عبدالعزيز البابطين رحمه الله قد بدأت منذ بواكير طفولته، فيذكر أنه في عام 1943 صنع لنفسه صندوقاً خشبياً صغيراً من النوع الذي يعلق في الرقبة، وحمل فيه بعض الأشياء البسيطة القابلة للبيع وراح يتجول بها على المقاهي في أيام العطل، لم يخطر أهله بهذه الخطوة، وأصبح بائعا متجولاً، وحينما دخل أحد المقاهي لعرض بضاعته، فوجئ بوجود أخيه الأكبر عبدالرحمن جالساً فيه فاستشاط غيظاً وسحبه من يده، وأخذه إلى والده يشكوه، لكن الوالد تصرف بحكمة شديدة،
حيث وضع له بسطة خشبية أمام محله التجاري الذي يعمل فيه وقال له بإمكانك أن تبيع هنا، ولا تذهب إلى المقاهي، وبفضل والده وتشجيعه أصبح تاجراً صغيراً على الرصيف قبالة دكان أبيه يعرض للبيع الأشياء الرخيصة تحت نظر والده.. وحين توافرت الدراهم بين يديه شعر بالزهو، فقد بدأ يكسب بجهده.. وكانت تلك هي البذرة التي أنبتت في نفسه الإحساس التجاري الذي استحوذ على حياته بعد ذلك.
التاجر الصغير
في عام 1956 كانت أولى خطواته الحقيقية في التجارة، إذ فتح محلا للأدوات الصحية مع عبدالعزيز الرميح.. وكان ذلك بعد أن غير نمط حياته، وتخلى عن الإنفاق والتبذير الذي كان يعيشه في أول حياته المهنية، فقد استطاع تجميع مبلغ من المال الأمر الذي معه بدأ يفكر بدخول العمل التجاري، ولتوسيع رأس ماله اقترض من دائرة المعارف مبلغا من المال وذهب إلى صديقه المرحوم عبدالعزيز إبراهيم الرميح واقترح عليه أن يعملا في الأدوات الصحية، وكانت هذه المهنة أيامها غير منتشرة بشكل كبير في الكويت ولعدم وجود الخبرة الكافية لديهما شاركا شخصا من لبنان حيث كان يعمل في هذا المجال وفعلا اشتغلوا وفتحوا محلا في عام 1956 بشارع التيل الذي عرف لاحقاً باسم شارع تونس، وأخذ يداوم مساءً في المحل وصباحاً في دائرة المعارف، وفي الليل يتابع دراسته.
ومما ذكره المرحوم أبو سعود أن السيد عبدالمحسن الرفاعي كان يزورهم في محل الأدوات الصحية، فيجده مشمراً عن ساعده ويعمل بنفسه مع العمال فيستغرب ذلك، وكان يقول له إنه يجب ألا يفعل ذلك فهذه مهمة العمال، ثم يبتسم ويقول له: من غبر شاربه دسمه. أي من تعب يجني الطيب من العيش لكن لم يستمر عمله طويلا في بيع الأدوات الصحية، حيث أنهى الشراكة في هذا المحل. ثم فتح له محلا لبيع المواد الغذائية، لكنه أيضاً لم يوفق فيه.
وكان رحمه الله قد تعثر في عدد من الأعمال التي مارسها في التجارة في بداية حياته، لكنه لم ييأس ولم يستسلم ولم يقل إن الحظ لم يحالفه بل أكمل مسيرته، ومن ذلك أنه عمل في توزيع البضائع على البقالات في ذلك الوقت، حيث لم يكن أي شخص يمارس هذا العمل.
فكان أصحاب البقالات آنذاك يضطرون لإغلاق محالهم كي يأتوا بالبضاعة من تاجر الجملة داخل سوق العاصمة، ويتكلفون أجور التوصيل، ففكر رحمه الله ماذا لو قام هو بهذا الدور، أي أن يُحضر لهم مستلزماتهم إلى بقالاتهم وبالسعر نفسه الذي يشترونه من تاجر الجملة، وكان يمر مشيا على المحال في شارع التيل شارع تونس حاليا، وأقنع أصحاب المحال بالفكرة فوجدوها جيدة خاصة أنهم لن يضطروا بعد ذلك إلى إغلاق محالهم ولن يتكبدوا أجور التوصيل.
وانطلق في عمله بكل همة، واستأجر سيارة نقل يحمل عليها الطلبات بعد أخذها من المخزن ثم يوزعها على البقالات.
وفي عام 1962 بدأ رحمه الله في العمل التجاري خارج الكويت، إذ رغبت الشركة التي أصبح وكيلها في إعطائه وكالتها في مناطق أخرى منها وكالة في أفغانستان، فافتتح محلا في كابول وكذلك أعطته وكالة في طهران، كما أعطته وكالة الموانئ الحرة في البحر الأبيض المتوسط، ومنذ ذلك التاريخ بدأت ملامح مشروعه التجاري في التشكل، وأخذ ينمو شيئاً فشيئاً بفضل جده واجتهاده والتزامه مبادئه في العمل، التي كان قد تعلمها من والده في بدايات حياته ومن أهمها الأمانة والصدق والحفاظ على المواعيد والوفاء بالعهود، إضافة إلى ما تمتع به عبدالعزيز شخصياً من الشجاعة وروح المغامرة.
الهوايات والمقناص
أما عن هوايات المرحوم عبدالعزيز البابطين الشخصية، فقد كان في مقدمتها المقناص أو رحلات الصيد، فكان رحمه الله يقنص في بعض الدول العربية وأيضاً في بعض الدول الأجنبية كالمغرب، العراق، مصر، ليبيا، الجزائر، باكستان أفغانستان وغيرها.. ولم يبق مكان للصيد في العالم إلا وقنص فيه رحمه الله وكان كثير من رحلات القنص محفوفة بالمخاطر وليست سهلة أبدا.
وكان المرافقون له يختلفون في كل رحلة عن الأخرى، ومن مرافقيه الدائمين في رحلات الصيد ابنه سعود عبدالعزيز البابطين، وأخوه عبدالكريم سعود البابطين وأخوه خالد سعود البابطين وأصدقاؤه عبدالعزيز العوجان، وعبدالعزيز القملاس، وفهد صياح الشعيل، وحمود العثمان، وعبداللطيف الوزان، وسليمان العنزي، وعلي بوشويربات، وسليمان العبلاني، وعبدالله المطوع، وفالح حميدي وطحيشل الخشاب، وحسين المطيري، ومنيف الديحاني، وفواز الفواز، وحمد السمدان وعباس بوردن وعبدالله السيف، ومبارك الحسيني، وعبدالرحمن الجلال، وعدنان الرفاعي وعبدالكريم العبلاني، وخلف الشلاحي، وفالح المطيري، وشريدة فالح، ومحمد الشملان، وعلي العنزي، وغيرهم.
كان أحياناً يمضي ما لا يقل عن أربعة أشهر في المقناص خصوصا قبل فترة الغزو العراقي للكويت، ثم أصبحت بعد ذلك ما بين شهر أو أكثر بقليل يصيدون الحباري والغزلان.. والصيد بشكل عام مارسه العرب منذ القدم، وكانوا يستخدمون طرقاً عدة للصيد مثل استخدام الصقور وكلاب الصيد وأسلحة الصيد، والأفخاخ وغيرها من الطرق، وكثير من الشعراء نظم القصائد أو ضمن قصائده موضوعات عن الصيد.. والصيد والمقناص له فوائد كثيرة، فهو يمنح الهدوء والسكينة للنفس.
وهناك مخاطر تواجه الصقارين، فقد ذكر (أبو سعود) أنه ذات مرة كان يقنص بالمغرب، واستيقظ صباحاً فإذا به يجد تحت فراشه أفعى كبيرة كان ينام فوقها طوال الليل دون أن يدري.
وذات مرة أيضاً في منتصف السبعينيات ضاع في تركمانستان أثناء رحلة مقناص وتعرض لمتاعب ومخاطر جمّة.
وأثناء رحلة مقناص في العراق دخل في بحر من الرمل، حيث غاصت سيارته، فحاول الخروج دون جدوى إذ كانت السيارة تغوص أكثر فأكثر ولم يستطع تحريكها… وكان ذلك في فصل الشتاء القارس، لكن الله سبحانه وتعالى هيأ له إحدى السيارات الوانيت في تلك المنطقة أوصلته لمخيمه… وفي ليبيا أيضاً تعرض لمخاطر وصعوبات كبيرة.
مكمن الأسرار ومصدر الإلهام
وكان رحمه الله يذكر في لقاءاته وأحاديثه عن علاقته بالأماكن ويرى أن هذه العلاقة تتحول مع الأيام إلى علاقة صداقة، وأنه لطالما كان يعود لزيارة الأماكن التي عرفها من قبل وألفها بعد سنوات طويلة، ومن ذلك مكتبة ثانوية الشويخ، التي عمل فيها في خمسينيات القرن الماضي، فكان يشتاق -كما يقول- إليها وكان يواظب على زيارتها من حين لآخر.
وكان يتحدث عن علاقته بديوان البابطين، ويقول إنه مكمن أسرار حياته، مصدر إلهام ذاكرته الاجتماعية، ذلك أن هذا الديوان يحمل ملامح الناس الذين زاروه، وتحمل جنباته حكايا وقصصاً كثيرة.
وعن علاقته بمزرعته رحمه الله الشيط فقد كانت علاقة قوية، كان يمضي فيها فترات طويلة، نظم بين أشجارها وزهورها كثيراً من قصائد دواوينه، كان يتردد عليها حتى أنه توفي رحمه الله وهو فيها.
وفي الحقيقة، أنجز في هذه المزرعة مشاريع عدة منها تربية النعام وتكثيره والذي أتى به من جنوب افريقيا، والأرانب البرية والغزلان التي أتى بجزء كبير منها من السودان وزراعة أشجار النخيل التي تزيد على 20 ألف نخلة، لذلك كان يجد فيها راحته النفسية وتنطلق شاعريته حينما يكون في هذه المزرعة.
كانت زيارته لـالشيط دورية ومنتظمة، وكان يرافقه فيها مجموعة من أصدقائه يقضون وقتهم في متابعة الأحداث ومراجعة الذكريات والتريض.
مشروع ثقافي خليجي
لو انتقلت للحديث عن مشروعه الثقافي الكبير، فنذكر أنه رحمه الله في بداية السبعينيات من القرن الماضي جنى من تجارته ثروة معتبرة، حيث بدأت تتنامى، وأراد أن يجعل منها جزءاً في المكان المناسب لها وهو الثقافة والتعليم، فبنمو ثروته يبدو أن أحلامه القديمة قد عادت للظهور وأصبحت تضغط عليه لتحقيقها.
فقرر أن يعوِّض حرمانه من الدراسة من خلال غيره، وبدأ بالتعليم للطلاب الذين لم يستطيعوا استكمال دراستهم، وكان يرى أن الإنسان يمكن أن يجد نفسه التي فقدها في كيان إنسان آخر، وقرر أن يكون جزءا من ماله مخصصا لتحقيق آمال الذين حرمتهم ظروفهم من المضي في دراستهم نحو طموحاتهم، فأنشأ باسم والده رحمه الله عام 1974 بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا وهي تهدف لمساعدة الطلبة المتفوقين في دراستهم على استكمال دراساتهم في الجامعة، وتوسعت هذه البعثة لاحقاً لتشمل الطلبة من مختلف دول العالم، لقد أثمرت بعثة البابطين جيلاً جديداً من المتعلمين في البلاد الإسلامية وملأ المواطنون الذين تخرجوا في جامعات شتى، ومنهم طلاب بعثة البابطين – المراكز القيادية والتعليمية في بلادهم.
وقد سافرت بنفسي مع المرحوم عبدالعزيز سعود البابطين مرات عدة إلى بعض بلدان الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق في وسط آسيا، ولمست مدى أهمية الدور الذي قام به عبدالعزيز البابطين في هذه البلدان، ومدى النجاح الذي حققه في استعادة الحضور الثقافي العربي فيها.
وبعد أن حقق حلمه الأول رحمه الله، بدأ يعمل على تحقيق حلم آخر راوده منذ طفولته، فاستيقظت فكرة إنشاء مؤسسة تعنى بالشعر وتهتم بالشعراء ونتاجاتهم الأدبية، وتمنح الجوائز في هذا المجال، فراح يستشير عدداً من المثقفين، ووجد معظمهم متحمساً للفكرة، فأطلق المؤسسة من القاهرة لكونها عاصمة الثقافة العربية.
وبالفعل ولدت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في عام 1989 والتي تغير اسمها لاحقاً في عام 2015 إلى مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية بعد أن توسعت أعمالها ودخلت مجال حوار الحضارات والتعايش بين الأديان ونشر مبادئ السلام العادل.
وكان لهذه المؤسسة إنجازات كبيرة قام بها المرحوم عبدالعزيز البابطين على مدى أربعة وثلاثين عاماً من حياته بذل فيها كل ما استطاع من فكر وجهد وعطاء مالي وفير لرعاية مشروعه الثقافي وتنميته، وكان يقطع المسافات الطويلة في السفر من بلد إلى بلد لينشر أفكاره الثقافية ويسهم بقدر كبير في إحياء الحركة الشعرية العربية ووضعها على المسار الصحيح،
وقد نجح بصدقه وإخلاصه وعطائه الاستثنائي في أن يحظى بثقة الجميع، فسارع الأدباء والشعراء إلى المشاركة في التظاهرات الثقافية الكبرى التي كان يقيمها برعاية معنوية سامية من ملوك وأمراء ورؤساء الدول والحكومات في مختلف العواصم العربية والإسلامية والأوروبية التي رحبت باستضافة دورات توزيع جوائز مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، وملتقياتها الأدبية، وما نظمته من ندوات الحوار الحضاري ومنتديات عالمية لثقافة السلام العادل.
وقد صحبت عبدالعزيز سعود البابطين في عشرات الرحلات التي قام بها من أجل تنظيم هذه التظاهرات ورأيت بنفسي مدى إخلاصه وتفانيه من أجل إنجاح هذه المشروعات العظيمة.
رحم الله الأخ عبدالعزيز سعود البابطين وغفر له وأسكنه فسيح جناته جزاء ما قدم لبلده ووطنه وأمته.